التوكّل

– {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} الملك 15

–  الإنسان مطالّب بالأخذ بالأسباب بمقتضى فطرته، لأن الإسلام دين عمل ونشاط، ومنه لا يقدر الإنسان مهما عمل أن يضمن النجاح إلا إذا توكّل على الله الذي بيده ملكوت كلّ شيء، فالتوكل قوامه الأخذ بالأسباب  أتباعا لسنته وسنة رسوله فقد ظاهر صلى الله عليه وسلم في الحرب بين درعين ،وأقعد الرماة على فم الشعب، وخندق حول المدينة ،وأذن في الهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة وهاجر هو وتعاطى أسباب الأكل والشرب وادخر لأهله قوتهم ولم ينتظر أن ينزل عليه من السماء ، واعلم أن الأخذ بالأسباب و الاحتراز لا يتناقض مع  التوكل

 – عن أسامة بن شريك رضى الله تعالى عنه قال شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم والأعراب يسألونه قالوا يا رسول الله علينا حرج في كذا علينا حرج في كذا لأشياء ليس بها بأس فقال عباد الله إن الله وضع الحرج إلا من اقترف من عرض امرئ مسلم ظلما فذلك الذي حرج وهلك فقالوا نتداوى يا رسول الله قال نعم تداووا عباد الله فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد قالوا يا رسول الله وما هو قال الهرم قالوا يا رسول الله ما خير ما أعطي الإنسان قال خلق حسن”

وكما أن الشّفاء لا يتحقق إلا بالتداوي فقد جعل الله لكلّ داء دواء، وأمر الرسول (ص) بالتداوي فقال:” تدووا عباد الله فإنّ الله خلق الداء والدّواء”، ولا يكفي أن تقعد في دارك وتدعو الله أن يشفيك، ولا تحرك ساكنا، لأن الدعاء يأتي بعد التداوي وليس قبله، وعليه على الإنسان أن يأخذ بكل الأسباب . فالتداوب  سبب  لا ينافي التوكل على الله لمن اعتقد أنها بإذن الله وبتقديره وأنها لا تنجع بذواتها بل بما قدره الله تعالى فيها وأن الدواء قد ينقلب داء إذا قدر الله ذلك فمدار ذلك كله على تقدير الله وارادته والتداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب وكذلك تجنب المهلكات والدعاء بطلب العافية ودفع المضار وغير ذلك

– حدثنا أبو حفص عمرو بن علي، حدثني يحيى بن سعيد القطان، أخبرنا المغيرة بن أبي قرة السدوسي قال سمعت أنس بن مالك يقول:  ” قال رجل: يا رسول الله، أعقلها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل؟ قال اعقلها وتوكل”.

 فهذا الحديث يدعونا إلى الأخذ بالأسباب وعدم ترك الأمور إلى الصدفة

 * – الفرق الصرفي: الفعل على وزن ” تفاعل” يدل على الصفات السلبية مثل: تكاسل، تناوم،تغابى

 والفعل الذي على وزن ” تفعّل” يدل على الصفات الحسنة ، مثل: تقدّم، تشجّع، تصبّر، تعقّل

ومنه كان الفعل ” تواكل” يدل على صفة سلبية، والفعل ” توكّل” يدل على صفة حسنة

* – الفرق المعنوي:

 التواكل هو عدم الأخذ بالأسباب والاتكال على الغير في إنجاز الأعمال، أما التوكل فهو الأخذ بالأسباب والاعتماد على الله في نجاحها

– التواكل دليل على ضعف علاقة العبد بربّه وعدم ثقته فيه، بل هو يضع ثقته في فلان وفلان، ولا يثق في الله، أما التوكّل فهو وضع الثقة في الله أولا وآخرا لأن بيده مفاتيح كل شيئ

– التوكّل على الله يحرّر الإنسان من عبودية الإنسان للإنسان إلى عبودية الإنسان لله، أما التواكل فيزيد من تبعية الإنسان للإنسان، وسيطرة القوي على الضعيف

 – التوكل يدعونا إلى السّعي وعدم القعود

 – الله يكفي من توكّل عليه ويرزقه من فضله ” ومن يتوكل على الله فهو حسبه”

 – التوكّل على الله معناه ان تؤمن بقضاء الله وقدره، وما شاء يكون

 – التوكّل هو ثقة بالله وحسن الظن به

 – الله يحبّ المتوكّلين، ومن أحبّه الله كان سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها

 – التوكل على الله يدفع العبد إلى الاجتهاد مخافة التقصير والوقوع في التواكل