تقرير المسؤولية عن تنفيذ اوامر الرؤساء
تقرير المسؤولية عن تنفيذ اوامر الرؤساء
تقرير المسؤولية عن تنفيذ اوامر الرؤساء
لقد حاول الفقه والقضاء منذ وقت طويل، وضع حدود لهذا الدفع، ومن ذلك ان قوانين العقوبات العسكرية قد درجت على معالجته، فقد نص قانون العقوبات العسكري الالماني لسنة 1940م على مسؤولية الشخص عن فعله الجنائي اذا ارتكب هذا الفعل في مدى ابعد مما يتضمنه الامر أو انه ارتكب الفعل المأمور به وهو يعلم بالصفة الجنائية له.
في حين قررت المادة 43 من قانون العقوبات العسكري العراقي رقم 13 لسنة 1940م اعفاء العسكري الذي يحدث بفعله ضرراً للغير من اية مؤاخذه ما دام نفذ بفعله امر الرئيس المباشر، وتنصرف المسؤولية عن الضرر الى رئيسه، ولا يحق للمرؤوس ان يمتنع عن تنفيذ الامر أو مناقشته إلا اذا علم ان الامر الذي تلقاه يقصد منه ارتكاب جريمة عسكرية أو مدنية.
ويبدو ان هذا التوجه من المشرع كان عاماً في التشريعات العسكرية الدولية، ويستند في الغالب الى ضرورات التي تمليها طبيعة النظام العسكري وهو ما عبر عنه الجنرال مونتغمري عندما كان يخاطب الجيش البريطاني في عام 1946م ( اذا كانت كنة الديمقراطية هو الحرية، فان كنة الجيش هو الانضباط، ليس للجندي ان يقول شيئاً من واجب الجندي الطاعة، بدون طرح اسئلة لكل الاوامر الموجهة اليه من الجيش أي من الامة ). ([1])
وفي ذات الموضوع قضت محكمة القضاء الاداري المصري انه (( ليس من الجائز في النظم العسكرية الامتناع عن الاوامر متى كانت صادرة ممن يملكها، وانما يتظلم منها بالطريق الذي رسمه القانون، إذ لو ابيح لكل من يصدر اليه امر ان يناقش مشروعيته أو سببه، وإن يمتنع عن تنفيذه متى تراءى له ذلك لاختل النظام وشاعت الفوضى وقد جعل قانون الاحكام العسكرية جريمة عدم طاعة الاوامر من الجنايات التي شددت العقوبة عليها )). ([2])
وبعد ان ناقش البروفسور Shedon Glueek هذا التسأول في ضوء القوانين المختلفة اقترح حل مفادة: ان الفعل غير المشروع الذي يرتكبه الجندي أو الضابط الاعلى تنفيذا لامر حكومته أو رئيسه العسكري لا يكون معذوراً اذا كان مرتكب الفعل في لحظة ارتكابه لم يعلم أو اذا كانت لديه – مع ملاحظة – الظروف- من الاسباب الكافية
ما يجعله يعلم بان الامر غير مشروع بالنسبة الى قوانين الحرب وعاداتها أو بالنسبة الى مبادئ القانون الجنائي التي تطبقها الامم المتحضرة أو بالنسبة الى قوانين بلاده الخاصة. ([3])
ما يجعله يعلم بان الامر غير مشروع بالنسبة الى قوانين الحرب وعاداتها أو بالنسبة الى مبادئ القانون الجنائي التي تطبقها الامم المتحضرة أو بالنسبة الى قوانين بلاده الخاصة. ([3])
اما على صعيد القانون الدولي الجنائي فقد تطرقت المادة الثامنة من النظام الاساسي لمحكمة نورمبرغ الى تأثير الامر الصادر من الرئيس الاعلى فنصت (( ان ادعاء المتهم بانه تصرف وفقاً لاوامر حكومته أو رئيسه الاعلى لا يعفيه من المسؤولية ولكن يمكن ان يعتبر ذلك سبباً يخفف العقوبة اذا رأت المحكمة ان العدالة تقتضي ذلك )).
وقد طبقت المحكمة هذا المبدأ بالنسبة الى Keitel رئيس اركان حرب الجيش الالماني الذي ادعى انه كان خاضعاً لواجب الطاعة ومما ورد في الحكم ((… تجاه مثل هذه الوثائق لم ينف كيتل اشتراكه في الاعمال التي سردت لآنفاً، الا انه يدفع المسؤولية بصفة كونه جندياً ويتمسك بحجة تسلمه الامر وهي الحجة التي ترفضها المادة الثامنة من النظام كوسيلة دفاع فضلاً عن هذا ليس هناك أي ظرف مخفف يمكن ان يقدم في صالحه. ان الاوامر العليا حتى التي تعطى للجندي لا يمكن أن تكون ظروفاً مخففة في حالات ارتكاب جرائم فظيعة وعديدة بعزم واصرار بدون أي ضرورة حربية. )). ([4])
وعلى العموم فإن الاحتجاج بالامر الرئاسي الصادر الى الشخص وان لم يصل الى مرتبة أسباب الاباحة، فأنه وبمقتضى نص المادة الثامنة من نظام المحكمة كان يمكن ان يعد سبباً مخففاً للعقوبة: وتقدير ذلك من سلطة المحكمة، غير ان اللجنة التي صاغت المبادئ التي جاءت بها احكام المحكمة والتي كان لها شأن في تطوير قواعد القانون الدولي المتعلقة بمحاكمة مجرمي الحرب، قد حذفت الشطر الاخير من المادة السابعة، ونصت على عدم رفع المسؤولية فقط دون ان تتطرق الى تخفيف العقوبة.
وقد تم تكرار هذا المبدأ مرة أخرى من قبل اللجنة الدولية للصليب الاحمر سنة 1949م حيث كانت تعمل على اعداد اتفاقيات جنيف بالتزامن مع عمل لجنة صياغة المبادىء، فقد كانت المادة (40) مكرر تنص على ( انه لا يمكن اعتبار أمر الرئيس عذراً قانونياً معفياً بل إذا كانت الظروف في صالح المتهم فان العقوبة يمكن تخفيفها ). غير ان هذا النص استبدل بنص عام وضع في اتفاقيات جنيف الاربع وهو نص المادة (51) في اتفاقية جنيف الاولى، والمادة (52) من اتفاقية جنيف الثانية والمادة (131) من اتفاقية جنيف الثالثة
والمادة (148) من اتفاقية جنيف الرابعة. ([5])
والمادة (148) من اتفاقية جنيف الرابعة. ([5])
ومقتضاه انه لا يجوز لاي طرف متعاقد ان يتحلل أو يحل طرفاً متعاقداً آخر من المسؤوليات التي تقع عليه أو على أي طرف متعاقدا آخر فيما يتعلق بالمخالفات المشار اليها في السابقة.([6])
ومن ثم فان امر الرئيس الاعلى لا يمكن ان يعد عذراً مقبولاً في دفع المسؤولية استناداً الى مبادئ محكمة نورمبرغ، وقد ترك للمحكمة سلطة تقديرية في قياس مدى حرية الاختيار التي يتمتع بها الشخص عند تنفيذ الامر المكون للجريمة الدولية. ولاشك ان حرية الاختيار تختلف حسب وظيفة ومركز الممتثل الى الامر ومدى سلطة صاحب الامر عليه.
ومن الوقائع التاريخية التي تبرز تمتع بعض المسؤولين والقادة العسكريين بحرية واسعة لاختيار الامتثال لاوامر الرؤساء غير المشروعة أو عدم الامتثال اليها. إن الجنرال رومل عندما كان قائداً للفيالق الافريقية لدول المحور تلقى امراً تحريرياً من ( هتلر) صادر بتاريخ 18 تشرين الاول 1942م جاء فيه ( منذ الان يجب ابادة جميع الاعداء الذين يوجدون في مأموريات الكوماندوس سواء في اوربا أو في افريقيا عن آخرهم، إذا قبضت عليهم قواتنا، حتى ولو كانت لهم مظاهر الجنود من ناحية الملبس أو مظاهر عصابات الاغارة، وسواء اكانوا مسلحين او لا، اثناء القتال أو بدون القتال، وسواء كانوا قد أتو لتنفيذ عملياتهم عن طريق البحر أو الجو أو نزلوا بالمظلات، فلا فرق في المعاملة بسبب ذلك، ولا يقبل أي عفو من حيث المبدأ بالنسبة لهؤلاء الافراد حتى ولو تظاهروا بالاذعان والخضوع وقت إلقاء القبض عليهم.
ولم يمتثل الجنرال رومل الى هذا الامر، وانما احرقه في وقت كان النظام العسكري بمقتضي منه ان يطيعة وينفذه. ([7])
وعلى ذلك فانه لا يمكن ان تبرر الضرورات العسكرية ارتكاب الاعمال الاجرامية، فالمرؤوس يملك غالباً ان يرفض طاعة رؤساءه او قادته اذا ما خالفت المشروعية، وهو ما تم تأكيده في النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية ليوغسلافيا وكذلك محكمة رواندا، إذ نصت المادة ( 7/4) من نظام محكمة يوغسلافيا ( لا يعفي المتهم من المسؤولية الجنائية لكونه تصرف بناءا على امر صادر من حكومته او من رئيس اعلى، على ان للمحكمة الدولية ان تنظر في تخفيف العقوبة. اذا رأت ذلك استيفاء للعدالة ).
فقد ثبت بان محكمة يوغسلافيا السابقة قد تسائلت أثناء التحقيق مع المتهم (درازن أردوموفيك) بتاريخ 19 تشرين الثاني 1996م. واعترفه بارتكاب جرائم في قرية بيليسيا .
– هل تعرف احداً قتل بسبب عدم اطاعته الاوامر ؟
اجاب – انا سوف اخبركم، انا متأكد انني كنت سأقتل لو انني كنت قد رفضت الانصياع للاوامر.([8])
وعلى هذا يمكن ان نستنتج ان المحكمة قد بحثت في دفع المتهم بانه انما ينفذ أوامر رؤسائه ولا يملك عدم الامتثال الى اوامرهم خشية التعرض للقتل.
كما ورد هذا المبدأ في المادة الرابعة من مدونة الجرائم المخلة بسلم الانسانية وامنها لعام 1966م حيث ورد ( لا يعفى الفرد المتهم بجريمة مخلة بسلم الانسانية وامنها من المسؤولية الجنائية لكونه تصرف بناء على امر صادر من حكومته أو من رئيس اعلى، ولكن يجوز النظر في تخفيف العقوبة اذا اقتضت العدالة ذلك ).
([1]) – د. عبد الله علي عبو سلطان – المصدر السابق – ص 165 .
([2]) حكم محكمة القضاء الاداري المصري في 10 يناير 1955م أشار اليه د. شفيق الحديثي النظام الانضباطي لموظفي الدولة في العراق – رسالة ماجستير – بغداد 1975م ص 58 .
Comments are closed.